يوم الحزن/سيدي دومان

بسم الله الرحمن الرحيم
-يوم الحزن
في مثل هذا اليوم   26 اغسطس( آب) 2012  توفى والدي الحنون، الشيخ دومان ولد الشيخ ولد احمد ولد الشيخ سيدي احمد البكاي ولد عبدي ولد سيداحمد البكري الكنتي القرشي، تغمده الله بواسع رحمته.
أحمد الله أن آخر كلامه، كان: لا إله إلا الله محمد رسول الله…فقد اشهدني على ذلك، دقائق معدودة قبل وفاته ( ثلاث او اربع على ما اتذكر ) عندما اقتربت منه وسألته عن حاله، فقال لي:” انا بخير، لكن لا تنس وصيتي، فقد حان وقتها “. ولما تملكني الرعب – لأني اعرف الوصية التي وصاني بها قبل اربعين سنة وكان يجددها لي دائما كلما بقينا وحدنا؛ وملخصها ان يدفن في المكان الذي اختطه لنفسه بين ابويه في لحويطات وهو مكان معروف لأنه اراه لاغلب سكان القرية قبل اكثر من خمسين سنة وان يدفن في تابوت واشياء اخرى لااريد البوح بها الآن- وقلت له ( ماه فالك ) طهور إن شاءالله، رد علي، بصوت المؤمن الواثق بربه: ” يا بني، انا لا اهذي ولست خائفا، بل انا سعيد ومسرور بلقاء من هو أكرم منكم وأرحم بي ” ثم امسك بيدي والسبحة بيده وقال بصوت جهور، واثق ،ثابت ومؤثر:” أشهدك أني قلت في حياتي قبل مماتي: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، بلغ الرسالة وادي الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده حتى اتاه اليقين “. وبدأ يكرر ” لا إله إلا الله محمد رسول الله،” حتى فقدت الصوت منه…كانت تلك، قطعا ،آخر كلماته.
لقد وعدت القارئ الكريم ان أكتب كل مرة عن إحدى مناقبه أو كراماته مما كنت عليه شهيدا إلى أن انتهي من الكتاب الذي أكتب عن سيرته العطرة…
ومن ذلك ان الرئيس الأسبق معاوية ولد سيدي احمد الطائع- اطال الله عمره- زار ولاية تكانت سنة 1992 وكانت الظروف صعبة جدا، حيث لم يكن في الولاية، طرق معبدة ولا حتى مهيأة وتزامنت الزيارة مع بداية الخريف والتساقطات المطرية….
أمضى الرئيس ليلته في مدينة ” اودي امجبور” في ضيافة الأنصار الأكارم وغادرها في الصباح الباكر،  عبر طريق وعر جدا، ليصل إلينا في مدينة ” اكفان ” ويستريح قبل مواصلة السفر إلى المحطة المقبلة وهي مدينة النبيكه.
وعند وصوله، استقبلناه في منزل المرحوم، الوجيه وعمدة بلديةالنيملان حينها، المغفور له بإذن الله، ابن العم الحكيم الكريم، سيدي بونا ولد الناجي، وهيأنا له صالة المنزل ليستريح وحده وعندما استلقى على الفراش الوثير وشرب كأس الشاي الأول، طلب أن يدخل عليه الشيخ دومان وحده لأنه كان يرتاح كثيرا لحديثه الذي لم يكن تملقا ولا نفاقا ولا يحتوي طلبات شخصية انانية، وإنما كان يقتصر على تقديم النصيحة الصادقة والحث على إقامة العدل واخبار الملوك والقادة وسيرهم…فلما دخل عليه، طلب، رحمه الله، ان انضم انا اليهما، فاستدعتني التشريفات.
واذكر من حديثه الي فخامة الرئيس ذلك، انه قال له: ” اعلم يا فخامة الرئيس أن العدل يدوم وان دام عمر والظلم لا يدوم وان دام دمر وان الدولة تستقيم على الكفر ولا تستقيم على الظلم وقد روي في الحديث الرباني:” يا عبادي، إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرما، فلا تظالموا ” أو كما روي عنه صلى الله عليه وسلم.
واعلم أن الرئيس او الملك، مطالب فقط بأن تكون نيته صادقة وروحه عادلة، لا ينام على ظلم ولا يقبله، فتنعكس تلك الروح وتلك الإرادة على المعاونين اينما وجدوا ويدركون أن الظلم غير مقبول، فيسعون إلى تجنبه وتتولد عن ذلك قناعة راسخة.
والامثلة كثيرة:

  • فعندنا في موريتانيا، يقال إنه من فرط عدالة الأمير أحمد ولد امحمد: ” كانت الشاة تذبح وتشوى وتوضع على حمار ومعها السكاكين، ويترك الحمار يتجول في زمن ” القيطنه” ولا يمسها أحد.
  • وفي موروثنا الإسلامي المجيد، يقال إنه من فرط عدالة، الخليفة عمر بن عبد العزيز، رضي الله عنه، اصبحت الذئاب ترعي مع الأغنام ولا تمسها بسوء.
    ومن الحكايات الماثورة أن ملكا،  مسلما، عادلا، كان مولعا بالصيد، فكان يذهب مع حرسه وخاصته، كل اسبوع إلى البيداء ليمارس هوايته. وذات يوم ابتعد عن رفقته يلاحق طريدة وعند عودته، شعر بعطش شديد وايقن انه لن يصل إلى قومه قبل أن يهلك وبيناهو، عنت على القرب، واحة غناء، في قلب الصحراء، فتعجب وذهب اليها ولما دخلها، وجد سيدة، فسلم عليها وطلب منها ان تسقيه، فأخذت قدحا وقامت إلى شجرة وقطعت منها غصنا صغيرا وصوبته إلى القدح فامتلأ بسائل لونه كلون اللبن وطعمه كطعم السكر، وناولته، فشرب حتى ارتوى.
    فقال في نفسه: سبحان الله ما اكرمه، ان هذه الواحة العجيبة، توجد في منطقة صيدي وسوف استولي عليها واجعلها محلا لإقامتي عندما أخرج إلى الصيد واعوض هذه السيدة. وفي الأسبوع الموالي، جاء كعادته وذهب إليها وحده وطلب منها أن تسقيه، فقامت إلى شجرات عدة وقطعت اغصانا كثيرة وعصرتها في الاناء، فخرج منها ماء قليل، اسود اللون، شديد الحموضة وأضافت إليه من الماء العادي والسكر حتى يستطيع شربه. فقال لها: سبحان الله، في الاسبوع الماضي، غصن واحد صغير، ملأ القدح من اللبن بطعم السكر والآن؟ ما معنى هذا؟ فقالت له : معنى ذلك أن هذه الأرض كان يحكمها ملك عادل وقد مات او هم بظلم…فقال في نفسه أشهد الله أني أتوب من ذنبي واني ساحميها واجزي لها ولن اصادر حديقتها….
    وبعد هنيهة، قال لها اسقيني، فقامت إلى الشجرة واذا السائل العجيب يتدفق، فالتفتت إليه وقالت: ناشدتك الله أ أنت الملك؟ ” ….
    رحم الله أبي، فقد كان نابغة زمانه، بما في الكلمة من معنى.
    أرجو منكم جميعا الترحم عليه والدعاء له، متعكم الله بأبائكم ورحم من اختار منهم إلى جواره، إنه سميع مجيب
    سيدي دومان