بعد تناولنا العشاء في “بيتنا العامر” بدأ الجميع في الحديث الواحد تلو الآخر…..
وقف رجل “طايب” عليه سمات السكينة والوقار وهو بالفعل رجل شهم وقال” كان عندنا صديق رجل أعمال لكنه انتقل إلى رحمة ربه تاركا طفلة لديها مشكلة في البصر و لا تستطيع أن ترى شيئا نهائيا، بحثنا عن حلول من أجل أن لا تعيش الفتاة اليتيمة وهي فاقدة البصر اتصلنا بأخصائيين ومنظمات في الخارج وخاصة إسبانيا ووجدنا أن الفتاة يمكن أن تشفى إذا ماتم إجراء مجموعة من العمليات المعقدة والمكلفة وهو أمر صعب نظرا لحالنا والحال التي ترك الفقيد عليها ابنته اليتيمة، حاولنا الاتصال بعدة جهات وبحثنا عن المبلغ المعقول الذي يمكن صرفه، وصدمنا بعد أن تأكدنا أنه يصل إلى أزيد من 50ألف يورو أي ما مقداره 23مليون أوقية قديمة ومصاريف السكن والعلاج الأخرى في أوروبا وأنتم تعرفون العياة والعلاج في أوروبا، حاولنا الاتصال بجهات ومنظمات مختلفة حتى أرشدنا أحدهم على صلاح الدين ولد البشير والذي اتصل علينا بدوره وأكد لنا أن هناك من تكفل بالفتاة اليتيمة وعلاجها ومصاريفها وهي الآن تتعالج في أوروبا” انتهت القصة ووقف الجميع تحية احترام وتقدير لصلاح.
نحن ولا الجميع من حولنا لم نعلم بالقصة أو غالبيتنا على الأصح لم تعلم بالقصة قبل هذه الليلة، ربما لأن صلاح ليس كغيره لا يحيط ما يقوم به من أعمال خيرية بهالة إعلامية على غرار الكثير من السياسيين والأوغاد في هذا البلد، هذا العمل النبيل والذي هو إعادة البصر إلى فاقديه يساوي ربما أو على الأصح إعادة الحياة إلى من كانوا على حافة الموت.
صلاح كان يعمل في بلدية نواذيبو ولديه علاقة قوية بمنظمات خيرية عالمية استعملها في خدمة مدينة نواذيبو قبل أن يتم طرده من البلدية، إلا أن ذلك لم يمنعه من المواصلة في أعماله الخيرية عبر المركز الكويتي البلدي لطب العيون والذي تشرف عليه هيئة جورج آليو العالمية لطب العيون والتي يشرف عليها البروفيسور جورج آليو نفسه ، تخيلوا أن جورج آليو كان يتناول معنا العشاء وهو على بساطته شخص عالمي يعيد “الحياة” إلى الناس عبر إعادة البصر، كان جورج آليو معنا جالسا بيننا يتناول الطعام بشكل طبيعي وهو أمر عادي على عكس أطباء مستشفى نواذيبو الجهوي “المسلخة” الذين لا نرى و لانعرف غالبيتهم حيث يتواجدون في العيادات الخاصة أغلب أوقاتهم…
كان صلاح يتولى الترجمة لجورج آليو، ترجمة الأحاديث والخطابات التي كان الجميع يلقيها أثناء العشاء، كل شيء كان بسيطا حتى حديث صلاح نفسه ومداخلته التي أبكته وأبكت الجميع معه عن إحساسه بمعاناة المواطنين والذين يعانون من مشاكل إنسانية تطلبت تدخل الهيئة عبر إجراء عمليات وفحوصات دورية للفقراء والمحتاجين من المواطنين طبعا كل هذا دون ضجيج أو إحضار إعلام الارتزاق والتلميع، نعم هذا عمل لا يحتاج صاحبه إلى تلميع، يكفيه أنه يعيد الحياة إلى الناس.
صلاح البشير ليس صديقي، ولا ألتقيه إلا عبر لقاءات خاطفة، وهو شخص بسيط فيما يظهر منه، يساعد الناس ويقسم عليهم الدواء بالمجان دون ضجيج، وليس رجل أعمال حسب علمي، ولا يتقلد منصبا سياسيا، أو حكوميا، وهذه أشياء ستحق منا الوقوف والتأمل فيما يقوم به الآخرون.
انتهى العشاء وتفرق الجميع وفهمنا أننا كنا متواجدين من أجل تكريم جورج آليو وصلاح البشير اللذان لم يكرما لا من الحكومة ولا الدولة الموريتانية بل لم يتم استقبالهم من طرف المسؤولين والقائمين على شأن البلاد والعباد.
وفهمنا أكثر أن كل شيء في هذه البلاد رهن بالتبعية السياسية لشرذمة قليلة من التافهين العابثين الباحثين عن مجد لن ينالوه أبدا…
سلامه صلاح