سمعت بسويسرا في بدايات الاستقلال باعتبارها مثالا لبلدي، فقد كان الرئيس المختار ولد داداه رحمه الله يريد أن تصبح موريتانيا ” سويسرا إفريقيا”. ومن تصريحاته الموثقة في هذا الشأن تصريح تضمنه فيلم عن موريتانيا في الستينيات أدلى به في فترة الانتقال إلى نواكشوط والإعداد لإعلان الاستقلال. كان ذلك باعثا للسؤال عن قرابتنا بهذا البلد الأوروبي، وبين لي من يعرفونه أنه بلد تتعايش فيه قوميات مختلفة ( عددها أربع كما في بلدنا) في كنف التفاهم وأنه حقق مستوى رفيعا من التنمية رغم قلة موارده الطبيعية… مرت الأيام وخفَت الحديث عن المثال السويسري مع بروز النزعات القومية الضيقة والمطبات السياسية الأخرى… ولكن بقي اهتمامي بالمثال السويسري موجودا وكانت لي فرص للحديث عن هذا البلد منها أحاديث مع مهندس مساح جيولوجي، سويسري الجنسية ومقيم في نواكشوط، ويشغل في الوقت نفسه مهمة قنصل شرفي لسويسرا. ثم تشاء الأقدار أن أعين مديرا للمعهد الموريتاني للبحث العلمي، المسؤول عن الإشراف على جميع البحوث المتعلقة بموريتانيا ومنها البحوث التي كان يقوم بها الأستاذ جان غابو Jean GABUS مدير المتحف الأتنوغرافي بنيوشاتلNeuchâtel ، وأن نساعده في مهمته إلى ولاته ونتحادث معه ومع أعضاء فريقه ومنهم الفريق السينمائي الذي أنجز الأفلام الرائعة عن ولاته. وقد مكنتني زياراتي لسويسرا من زيارة المتحف والاطلاع على كنوز الصناعة التقليدية الموريتانية التي يملكها، وعلى اللوحات الرائعة التي أنجزها الفنان العبقري هانس أرني Hans ERNI عن الحياة الموريتانية بمناسبة مرافقته غابو في مهمته في بوتلميت والمذرذره في نهاية 1950 وبداية 1951، ومنها اللوحات التي تزين مدخل المتحف، كما زرت الجناح المخصص للفنان في متحف النقل بمدينة لوسرنا. وهذا الفنان هو صاحب الجدارية الرائعة الموجودة على الجدار الأمامي لمكتب الأمم المتحدة في جنيف.
أعود لأقول إن بلدي رشحني للعمل بالأمانة العامة لجامعة الدول العربية فالتحقت بها في تونس في بداية أبريل 1981، وألحقت بالإدارة العامة للإعلام التي تتولى الإشراف على مكاتب الجامعة في الخارج، وبعد تجربة في المقر وفي بعثتي باريس وداكار، نقلت في نهاية 1988 إلى مكتب الجامعة لدى مكتب الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى في جنيف، بطلب مني ، حيث كان معروضا علي العمل في مكتب الجامعة في نيويورك للتكوّن في العلاقات المتعددة الأطراف. لقد كانت الرابطة المذكورة سابقا من أسباب تفضيلي جنيف يضاف إليها كثرة مجالات العمل الدولي، وميزة أخرى كانت حاضرة في الاختيار وهي صغر حجم جنيف لأني أرهب ناطحات السحاب والاكتظاظ الذي يجعلني أحس بالدوار وبفقدان الذات في بالوعة تلك الأحجام الكبيرة. طالعت قبل التحاقي بالعمل وفي خلال مقامي في سويسرا كثيرا من الكتابات عن سويسرا وعن جمهورية جنيف تحديدا، بالإضافة بطبيعة الحال إلى المنظمات الموجودة في جنيف. وكنت حريصا مع عائلتي على زيارة الأسواق الأسبوعية التي تقدم فيها الأكلات الشعبية، وكذلك الاحتفالات التقليدية التي يحرص السويسريون على تنظيمها بالأزياء التقليدية..
في بداية مقامي في جنيف حدث أن قطعت الطريق– وقد كان خاليا- ولكن ضوء المترجلين أحمر، فإذا بسيدة عجوز تناديني من شرفة منزلها، فهبطت لتقول لي إن ما فعلته أمر محرم، وأضافت : تخيل أن طفلا رآك فاعتبر أن بإمكانه أن يحتذي بك..”.. ومنذ تلك اللحظة لم أخالف عن علم إشارة مرور.. جزى الله تلك السيدة عني خيرا.. ولقد أعجبت بوجود الجرائد في محامل في الشارع فيها صندوق تضع فيه ثمن الجريدة وتأخذها دون رقيب إلا ضميرك.. كما أعجبت بتصرفات كثيرة أذكر منها أني أوقفت سيارتي في مأرب فلما عدت إليها وجدت ورقة على زجاجها الأمامي كتب فيها” اسمي فلانة.. عندما أخرجت سيارتي ضربت الجانب الأيمن من سيارتك.. انتظرتك وكان لي موعد.. هذا رقم ها تفي ورقم تأميني وهاتف المكلف بملفي في شركة التأمين.. أطلب منكم العفو.. قدت السيارة إلى محل الشركة الخاصة بسيارتي وقدمت لهم المعلومات فقالوا سنقوم باللازم وأعاروني سيارة في انتظار إصلاح سيارتي.. حادثة أخرى: أضعت يوما ورقة تحمل عنواني، فجاءتني رسالة بالبريد من مواطن عثر عليها فأرسلها إلي بالبريد.. شكرته وقدرت هذا السلوك الذي أرجو أن نتبعه..
في بداية عملي كانت أزمة السكن لمتوسطي الدخل مثلي حادة في جنيف، وفي انتظار العثور على شقة مناسبة اكترينا شقة مفروشة، زارنا مالكها يوما لإصلاح عطب في بيت الحمام، فقال إذا قررتم البقاء هنا فلن تندموا لأننا قررنا بناء مسبح في الحديقة المجاورة و… فسألته عن الصفة التي بها اتخذ القرار، فأجاب بصفتي مواطنا لأننا نقرر كمواطني الحي كل شيء يتعلق به . كان من ملاحظاتي الأولى في علاقاتي بوطني أن سكان جنيف مثل بقية السويسريين الفرنكوفونيين مرتبطون ارتباطا وثيقا بفرنسا على جميع الأصعدة، بل يبدو للأجنبي وكأن علاقتهم مع فرنسيي فرنسا أهم من علاقاتهم مع مكونات الشعب السويسري الأخرى، وقيل لي إن الملاحظة نفسها تنطبق على المكونات الأخرى مع امتداداتها المجاورة (الألمان مع ألمانيا، والفرنسيين مع فرنسا والطليان مع إيطاليا، وتبقى الحالة خاصة للمكون الرابع الذي هو الرومانش). علما بأن كل مكون يدرس بلغته وله تلفزيونه الناطق بها. واللغات الأربع رسمية. ولكني سرعان ما فهمت أن ولاء الجميع لسويسرا لا حدود له رغم الروابط الثقافية التي تجعل كل مكون قريبا من قوميته. فلو حدث خلاف مع دولة جار فإن القومية السويسرية المعنية ستكون في مقدمة المتصدين لها. واستخلصت من ذلك عبرة صالحة لوطني وهو ضرورة الاعتراف بالتنوع الثقافي وما يستتبعه من صلات مع الجوار الثقافي الخاص والتأكيد على أن المهم هو اعتبار الوطن فوق غيره والاستعداد لبذل النفس والنفيس دفاعا عنه حتى تجاه القومية التي ينتسب الشخص إليها ولكنها من بلد آخر. وتذكرت حادثة وفقني الله في تسويتها بنفس المنطق، ولم أكن إذ ذاك قد زرت سويسرا. كان ذلك في بداية 1977 بمناسبة المهرجان العالمي للفنون والثقافة الزنجية الإفريقية في لاغوس، حيث أُعلم الوفد الرسمي بحدوث خلاف في المشاركين الموريتانيين الذين يسكنون في الحي المخصص للوفود الفنية، سببه أن عددا من أعضاء الوفد الزنوج يقضون جل وقتهم مع السنغاليين وقضوا الليلة معهم في حفل وأن بعض البيضان اعتبر ذلك التصرف غير وطني. فكلفني الوزير بمحاولة تسوية الأمر، فوجدت الجو مكهربا، وصدفة رأيت نساء يرتدين ملاحف عرفت أنهن من وفد من دول الجوار، فطلبت من الأخ المرحوم سيمالي أن يقيم حفلا في الوقت ويكلف الفنانة اللامعة بنت حنباره بالطبل وأن يطلب من الجميع الرقص، وشرحت له قصدي. فكان ذلك، وما لبثنا أن توافد علينا البيضان الذين رأيناهم وانهمكوا في الرقص والطرب، وبعد مدة جاء أعضاء من الوفد المعني، ثم أعادوا الكرة، فقال لنا البيضان إنهم أخبروهم بغضب بقية الوفد من تصرفهم الذي رأوا فيه رخاوة في الانتماء الوطني. سمع أعضاء وفدنا البيضان ذلك وانتقدوه. فبينا لهم، سيمالي وأنا، غلطهم في تفسير موقف مواطنيهم الزنوج. فاعتذروا لهم ، وحصلت القناعة بأن العلاقة الثقافية مع بني قومية الإنسان لا تعني نقصا في وطنيته.
في تلك الفترة كان حديث الصحافة السويسرية مركزا على موضوع السيدة أليزابيت كوب Elisabeth KOPP نائبة الرئيس الدوري للاتحاد السويسري والوزيرة الفدرالية للعدل والداخلية، لقد كانت محل تهمة اعتبرت مسا فادحا بالدولة السويسرية، إذ كانت متهمة بأنها نصحت زوجها المستشار القانوني لشركة متهمة بتبيض الأموال بالاستقالة من منصبه، حيث اعتبر ذلك خرقا لواجبها الوظيفي بشأن السر المهني، مما اضطرها إلى الاستقالة في منتصف يناير1989 ، رغم تأكيدها بأن علمها بالأمر لم يكن عن طريق رسمي. وأتذكر الحديث في الأوساط السويسرية وقتها عن فداحة الضرر الذي أصاب الدولة السويسرية بسبب هذا التصرف. وأتذكر أن بعض المسؤولين من بلداننا كانوا يعتبرون الأمر عاديا بل واجبا تجاه زوجها ووالد أبنائها.. وقد تذكرت كل ذلك عندما طالعت دراسة علمية عن تطبيق تعاليم الإسلام في العالم فوجدت سويسرا في طليعة الدول التي تطبق هذه التعاليم من قائمة جاءت فيها الدول الإسلامية في مراتب لاحقة..
من جملة ما قرأت عن سويسرا كتيب الشاعر والروائي السويسري شارل فردنان رامي RAMUZ (الزاي الأخيرة في الأسماء لا تنطق عند السويسريين) (1878-1947): Besoin de grandeur )الحاجة إلى العظمة(، الذي قال فيه:”…رغم كون هذا البلد الذي هو بلدنا صغيرا جدا فإنه باستطاعتنا بوسائل محلية الصعود إلى مقام العظام” .
ذكرني ذلك بالمكانة التي حصلت لبلادنا بفضل المزايا الذاتية التي وظفها الرئيس المؤسس المختار ولد داداه وفي مقدمتها حسن الخلق والصرامة في التسيير والمصداقية والصداقات التي نسجها مع قادة العالم وخاصة في القارة الإفريقية، وأذكر في هذا الإطار ما قال لي الأستاذ محمد فائق وزير الدولة في مصر بمنا سبة زيارة الرئيس المختار للقاهرة في بداية سبتمبر 1970 والتي شرفني الأخ العزيز محمد محمود ولد ودادي مدير الإذاعة بتكليفي بتغطيتها. لقد أعجبت بالطابع الاستثنائي للضيافة وخاصة العناية الخاصة التي قابلنا بها الرئيس جمال عبد الناصر رغم كثرة مشاغله في تلك الفترة فقد زارنا في قصر الطاهرة الذي نزلنا فيه ودعانا (كل أعضاء الوفد) لعشاء في منزله بمنشية البكري، وقلدنا أوسمة. وقد كنت وقتها شابا مغرما بالصحافة وأتطلع إلى أن أصبح في منزلة كبار الصحفيين، وكان ودادي يشجعني ويوجهني جزاه الله خيرا. لذلك سألت الأستاذ محمد فائق وكانت لي به سابق معرفة في مؤتمرات دولية، وكنت أقول له ” أنت أصغر وزير في مصر وأنا أصغر الصحفيين لذلك أريد منك مساعدتي على أن أصبح صحفيا كبيرا ذا سمعة عالمية..”.. سألته :”أرجو أن توضح لي شخصيا (وليس للنشر) الأسباب السياسية لهذه الحفاوة الخاصة بوفد دولة صغيرة، وأني لا أرضى بجواب يكتفي بواجب الأخوة والكرم المصري المعروف. فلم يفصح عن الجواب حتى آخر الزيارة وقد اطلعت وقتها على ما تناولته المحادثات بشأن الدور الذي يريد الرئيس جمال عبد الناصر من الرئيس المختار القيام به لمساعدة مصر حيث ذكر أن مصر تعد للحرب وستعمل على أن تنتصر فيها بعد هزيمة 67 ولكنها تحتاج – مهما كانت نتيجة الحرب- إلى سند دبلوماسي عالمي واسع، وأنها تقدر أن عمقها الإفريقي هو الذي يمكن التعويل عليه أكثر من غيره، وقد قامت بتقدير للموقف فاتضح لها جليا أن الذي يمكنه القيام بجمع التأييد الإفريقي لها هو الرئيس المختار ولد داداه. وعندها قال لي الأستاذ محمد فائق”هل عرفت الآن أن بلدكم ليس صغيرا كما تقول بل هو عظيم بفضل المنزلة التي اكتسبها بسياسة رئيسكم..”
تعود إليّ اليوم ملحة تلك العلاقة التي ينبغي أن تتوطد بين بلادي وسويسرا. لقد استطاعت سويسرا أن تتحول من بلد فقير إلى بلد من أغنى دول العالم بفضل إرادة بناء القوة من الضعف بتوظيف مزايا الحياد والثقة والنظام والانضباط وبسط العافية والسكينة في أرجائها، وكذلك بفضل العمل المتقن الذي يميز صناعاتها، وبفضل حرصها على دعم الفلاحين والمربين بحيث تضمن لنفسها حاجتها عند الاقتضاء، ويعجبك أن ترى كيف يستغل السويسري كل مساحة صالحة للزراعة حتى في قنن الجبال. كما يعجبك خاصة مستوى المعيشة الذي يضمن لكل عامل مستوى لائقا بحيث يتم احتساب الراتب وفق متطلبات المعيشة بنسب معروفة يحددها مكتب الإحصاء ويراجع الراتب تبعا لتطور نسبة غلاء المعيشة. وقد استوقفني في هذا الإطار أن وجدت حارس العمارة التي أسكنها له شقة مماثلة للتي عندي فاستغربت الأمر لأن كراء شقتي يناهز ثلاثة آلاف فرنك سويسري، فشرح لي أنه يدفع أقل من ألف فرنك لأن القانون يفرض أن تعطى له شقة تكفي لسكن أفراد عائلته. والفارق يتم تحمله عنه. وقادني ذلك إلى اكتشاف أمر عظيم وهو أن السلطات السويسرية سعيا منها إلى ضمان اختلاط وتساكن الطبقات الاجتماعية على اختلاف أوضاعها المادية، تفرض أن تخصص في كل عمارة نسبة للمساكن الاجتماعية، بحيث وقع تفادي العزل الموجود في البلدان الأخرى بين الأحياء الشعبية وأحياء الأغنياء. وفي نفس السياق يلاحظ حرص السويسريين على المساواة بين المواطنين حتى قاد ذلك إلى نبذ كل سلوك يرفع منزلة البعض ويحط من منزلة الآخر. ولذلك لا تجد لديهم هذا الإطراء لشهادات المدارس العليا ولا للتعليم الجامعي على حساب التكوين المهني، بل تراهم يشيدون بهذا التعليم الفني ويحترمون أصحاب المهن احتراما واضحا. وهم يحدون من نسبة الموجهين إلى التعليم العام ليكون في حدود ربع التلاميذ في نهاية المرحلة الإعدادية أي نهاية المدرسة الأساسية التي يعتبرون مهمتها تكوين المواطن. وبفضل طريقة احتساب الراتب والحد الأدنى للأجور والإجراءات الاجتماعية الأخرى تحس بتمتع كل عامل بكرامته مثل غيره وبالتقدير المتبادل بين الناس على اختلاف ثرواتهم ومستوياتهم الدراسية. وتذكرت أن ذلك الحرص في الاختلاط الجغرافي على الأقل كان عاما في بلدي ( حيث كانت الخيمة الصغيرة تجاور الكبرى والكوخ يجاوز المنزل الفاخر، والغني يسهم جاره الفقير من نفقته…) حتى جاء من مسؤولي العاصمة من قرر نقل الفقراء خارج المدينة فكانت ” الكبات” التي شكلت بداية تطور خطير اقتصاديا واجتماعيا ينذر مع الأسف بعواقب نرجو أن ينتبه إليها المسؤولون فيعالجوها قبل فوات الأوان.
لاحظت كذلك أن السويسريين يفتخرون بطبيعتهم الجبلية التقليدية ويعتبرون أن قيمها المتميزة بالصدق في القول والإخلاص في العمل والنظام يجب أن تظل مقدسة وأن يضيفوا إليها التقدم العلمي. وآسف على كوننا كدنا في العقود الأخيرة نفقد قيمنا التي بها عرفنا وصمدنا أمام الصعاب، وخاصة قيم الصدق والنزاهة وحب الوطن. فلم يعد الكذب” حراما ويدحرج في النار، بل إشراكا بالله” كما كنا نتعلم، ولم تعد السرقة وخيانة الأمانة عيوبا تجعل الإنسان منبوذا، ولم نعد نعوذ بالله من الرزق الحرام، بل أصبح كل ذلك “محمودا” لتحصيل المال وأصبحت تعاليم الإسلام من قبيل الأقوال التي لا تتعدى أفواه الدعاة عند هؤلاء.
إني مبتهج اليوم بعودة الخطاب السياسي والسلوك الإداري إلى تقريظ قيمنا الأصيلة، ولذلك يحدوني الأمل كبيرا في سلوك المسار المشترك بين بلدي وسويسرا والقائم على ائتلاف القوميات في تنوعها، وإلى الجمع بين القيم الأصيلة والتقدم العلمي.
إننا قادرون على الابتكار والفعل والإسهام بنصيبنا في حاضر ومستقبل الحضارة البشرية. ولا ينقصنا إلا أن يصحّ العزم وتتوفر الإرادة التي هي الثروة الحقيقية التي بدونها لا تنفع أموال قارون ولا غيرها من مصادر القوة.
و إذا كان شعبنا في حدود أربعة ملايين نسمة (أي أقل من سكان الدار البيضاء ومن سكان حي من مدينة القاهرة) وأرضنا التي تربو على مليون كلم2 فيها زهاء مساحة الجمهورية التونسية من الأراضي القابلة للاستغلال الفلاحي، ولنا ثروة سمكية هائلة (وهي ثروة متجددة) يمكن أن تدرّ علينا عائدا سنويا يماثل عائد بعض الدول البترولية، وثروة حيوانية هامة تفوق حاجتنا(علاوة على المعادن والخيرات والإمكانيات الأخرى- وما أكثرها ) أليس من حقنا أن نعتبر أن من السهل تهيئة ظروف العيش الكريم لشعبنا في وقت وجيز، بتوفير الغذاء والدواء والمسكن والتعليم للجميع على قدم المساواة. فتوفيرها لأربعة ملايين من الناس لهم كل هذه الخيرات في ظرف وجيز نسبيا في متناولنا.