موظف سابق في الأمم المتحدة، أكاديمي ودكتورفي العلوم السياسية، ومراقب للمشهد السياسي،ويسعى مع بعض الأصدقاء والناشطين السياسيينإلى تبني ونشر رؤية إصلاحية جديدة للبلاد.
- بصفتكم مراقبا وفاعلا في المشهد السياسي، ماهو تشخيصكم لوضعية البلد ؟
– اللافت في وضعية البلد حاليا، هو أن الشعب لميعد يستطيع التحمل، خاصة المهمشين منه وهمأغلبية، في ظل تزايد الحرمان والغبن،والفقرالمستشري، وعدم المساواة، وتراكم المظالم،وغياب حلول ناجعة من طرف الدولة. ومن الواضحأن هناك تصاعدا في الغضب الشعبي. أعتقد أنالمجتمع وصل إلى نقطة الانهيار، ما يهددباضطرابات اجتماعية. هذا الاستياء العام يمكن أنيؤدي إلى أزمة حقيقية. علينا أنندرك أن السلمالاجتماعي ليس أبديا والممارسات التي نراها اليوممقلقة جدا وقد تعصف باستقرار البلاد. - استياء عام؟ أليس هذا الوصف مبالغ فيه ؟
– انا أعي ما أقول. هناك بالفعل استياء واضح لدىجميع فئات المجتمع. بل وصل الاستياء ذروته، مـعالتأثيرات المتضاعفة للارتفاع المخيفللأسعار،والأجور المتدنية، مع استشراء البطالة والفقر،ناهيك عن ضعف ولوج المواطنين إلى الخدماتالأساسية، من ماء وكهرباء وصحةوتعليم. هذهالقضايا الملحة تفاقمت نظرا لغياب مقترحاتوحلول ناجعة من طرف الحكومة، بفعل عدم تبنيرؤية إصلاحية على مستوىالقمة، الشيء الذييعكسه غياب الحزم في اتخاذ القرارات وعدم وجودإرادة قوية للقطيعة مع الأسلوب الذي كانت تسيّربه البلاد سابقاوالذي أثبت فشله. - ألا ترون أنكم ترسمون صورة قاتمة شيئا ما، فيالوقت الذي يتحدث فيه رئيس الدولة عن حصيلة جدإيجابية؟
– باستثناء بعض المبادرات التي لا يمكن إلا أننثمنها ونشيد بها، مثل توسيع التأمين الصحيليشمل 100000 أسرة ضعيفة وتوزيعمساعداتنقدية على بعض الأسر الأكثر احتياجا، لا يزال التأثيرالاجتماعي للسياسات العمومية دون المستوى. يجب أن نتساءل عنالنتائج الملموسة لهذهالسياسات، بعيدا عن الدعاية السياسية. إلى أيمدى تحسنت الظروف المعيشية للسكان؟ أينالثورة الزراعية التيتحتاجها البلاد؟ أين تنويعالاقتصاد الوطني الذي طالما انتظرناه؟ أين عشراتالآلاف من فرص العمل للشباب الذين أجبروا اليومعلىالنزوح إلى منفى جماعي؟ أين آلاف وحداتالسكن الاجتماعي التي تعهد بها الرئيس في حملتهالانتخابية؟ هـل انخفضت الأرقـام الفلكيةلوفياتالرضع والأمهات؟ كـم عدد المواطنين الذين حصلواعلى الماء والكهرباء والرعاية الصحية والتعليم الجيدعلى مدى السنوات الثلاثالماضية؟ أين وصلتحالات مئات الآلاف من المواطنين الذين يعيشونتحت خط الفقر؟ هذه هي المؤشرات التي ينبغي علىأساسها تقييمالسياسات الحكومية، ولا أعتقد أنهامن أحسن ما هو موجود. - لكن الرئيس لا يتوقف عن التذكير برغبته في اتخاذإجراءات قوية لتغيير الوضع؟
– نحن لم نعد في مرحلة الوعود والنوايا الحسنة،والوضع لا يحتمل أنصاف الحلول، كما أن سياسةالسعي إلى احتواء وإرضاء بعضالجهات، خاصةالوجهاء والمفسدين، التي ينتهجها الرئيس، قدتعطي نتائج عكسية، فهي في حد ذاتها مخاطرة قدتؤدي إلى الخسارة علىجميع المستويات. فالرئيسالحالي بما أنه عمل فـي ظل السلطة لعقود مـنالزمان، يـجب أن يـعلم أن جـشع النخب الفاسدة لاحدود لـه، وأنشهيتهم تنمو مـع تكاثر الفرص. علاوةعلى ذلك، فـإن الإجراءات القوية التي تحدثتم عنهالم تساهم في إبعاد النخب الفاسدة والوجهاءعـنمراكز القرار. وهـذا يدل على أن ما يشغل هذاالنظام ليس تخفيف معاناة السكان المتفاقمة وإنماالانتخابات المقبلة، عن طريق طمأنةالمتنفذينوالوجهاء والمفسدين وأصحاب رؤوس الأموال الذيناستغنوا بفضل الصفقات العمومية. - لكن الرئيس أصبح يقوم بزيارات ميدانية ليشرحللمواطنين خططه المستقبلية ؟
– هذه الزيارات الميدانية هي ممارسات فلكلوريةقديمة تنتهجها جميع الأنظمة، دون أن تعطي نتيجةتذكر، حيث لم يعد أحد يأخذها علىمحمل الجد. اعتقدأن الزيارات التي يقوم بها الرئيس الآن تدخل في إطارالتحضير للانتخابات، ومن المؤكد انها لا تهدف إلىتوطيدالحكامة. إنها قبل كل شيء فرصة للقاءوجهاء وأطر تفرغ زينة، الذين يسارعون لإظهارشعبيتهم الوهمية، المكتسبة من خلال توزيعالأموالغير شرعية. نحن في الحقيقة أمام رئـيس لميوضح نهجه السياسي بشكل دقيق، تاركاالموريتانيين في حالة من الترقب والشك. والمفارقة أنهذا النظام في طور محاكمة الرئيسالسابق محمد ولد عبد العزيز، في حين أن السلطةالتنفيذية الحالية لا تختلف عن نظام ولد عبدالعزيز،لا من حيث أسلوب وممارسات الحكم، ولا منحيث إختيار المسؤولين المكلفين بإدارة شؤونالدولة. - لكن هذه المحاكمة هي الأولى من نوعها، وأنتمرحبتم بها؟
- بالفعل ستكون لهذه المحاكمة قيمة تربويةرادعة، فيما يــتعلق بوضع حد للإفلات من العقابوتشجيع الـحكام على عدم الخلط بـينمصالحهمالـشخصية وإدارة الـدولـة، ولـكن كـان مـن المأمولأن تكون فرصة للقطيعة مع الفساد، والذي للأسفما زال مستشرياً بل وتفاقمفي هذه السنواتالاخيرة، نظرا لانعدام المساءلة وتكريس ظاهرةالإفلات من العقاب. عل العموم، الموريتانيونيتوقعون أن يعالج حكامهممشاكل البلاد، وليسالقضايا المتعلقة بصداقة الرئيس السابق وخلفه أوبتصفية الحسابات بين النخب الحاكمة.
- ألا ترون أن الرئيس ينتهج مقاربة توافقية مكنتعلى ما يبدو من تهدئة الوضع السياسي ؟
– صحيح أن الرئيس تبنى منذ البداية نهجا توافقيا،ترك أثرا إيجابيا لدى الرأي العام، وكان من الممكنأن يؤدي إلى تسوية وطنية، من خلالالحوارالسياسي الذي تم إجهاضه للأسف من طرف الدولةالعميقة والمفسدين. لكن تبني الرئيس لهذا النوعمن “الإجماع الناعم” أظهرحدوده، مما أدى إلىقطيعة وانفصال عـن التوقعات والانتظاراتالشعبية التي تتطلب قرارات قوية، وهذا ما يعكسهالاستياء العام اليومويمكن أن يؤدي غدا إلى انفجار. وكمثال على هذا الانفصال، نرى أنه في الوقت الذييرفض فيه الرأي العام رموز النظام السابقويتنصلمنها، لأنها هي التي دمرت البلاد، نجدالرئيس الحالي يجدد ثقته بهذه النخب، من خلالوضعها على رأس القطاعات الوزارية أوالشركاتالعامة. - انطلاقا من خبرتكم، ما هي النصيحة التيتقدمونها للرئيس الحالي؟
على الرئيس الحالي أن يقر ببعض الأخطاء والنواقص،وأن يصحح الموقف، من خلال اتخاذ جملة منالإجراءات القوية، ولو بصفة تدريجية. بطبيعة الحال،هذا ينطوي على بعض المخاطر، لكنه على المدىالطويل سيمكنه من اكتساب المصداقية ويعيدثقة المواطنين فيه. باختصار،على الرئيس اختيارمعسكر الشعب بدل معسكر النخب والأعيانوالمفسدين. - بشكل ملموس، ماذا يجب على الرئيس أن يفعل؟
من الناحية الموضوعية، إذا أراد الرئيس أن يترك أثرافي التاريخ، فعليه أن يعلن عن اجراءات قويةوصارمة وشجاعة، لإظهار أننا لم نعد فيمرحلةالوعود، بل في مرحلة الإنــجاز. يجب أن يعيد ثــقةالمواطنين في قدرة الدولة على تلبية تطلعاتهموتحسين فعالية العمل الحكومي. - يبدو أنكم تتبنون فكرة الفصل بين النخبوالشعب؟
– ليس بالضرورة، ولكن خيبة أمل الموريتانيينوصلت الآن ذروتها، مع تصاعد السخط بين فئاتكبيرة من المجتمع، في ظل الفجوة المتزايدةبينالتوقعات ومستوى تنفيذ السياسات الحكومية. كما تتسع الفجوة بين النخبة الثرية الغارقة فيامتيازاتها، والغالبية العظمى من الشعبالتي تكافحمن أجل البقاء. في ظل هذه الظروف، لا ينبغي أننتفاجا بنجاح الخطاب الشعبوي وظهور النزعاتالشرائحية، التي تتغذىعلى استمرار الإقصاء. - كيف تقيمون مختلف الفاعلين السياسيين ؟
– يتأرجح المشهد السياسي لدينا بين عدد قليل منالقادة الشعوبيين غير القادرين على حشدالموريتانيين بكل أطيافهم حــول مشروعوطنيموحد، وبين معارضة تقليدية موجودة فقطعلى الورق. في الحقيقة، هذا المشهد السياسييخدم مصلحة النظام القائم، لأن القوى الموجودةلاتستطيع أن تشكل بديلا يتمتع بمصداقية لدىالناخبين، عـلى الرغم من السياق الملائم الذي يتسمبفشل سياسات الحكومة وتعرية النخبالحاكمة. على هامش هذا الاستقطاب، يحاول بعض الفاعلين،وخاصة من الشباب، دخول المشهد بقوة، لكنالمخزن يمنعهم من تأسيساحزابهم، كما أن ضعفالوعي لدى المواطنين، يحد من قدرة هذه التياراتعلى التعبئة. - برأيكم، ما هو أهم حدث سياسي منذ تولي الرئيسالحالي للسلطة ؟
– بالنسبة لي، أهم حدث لحد الساعة، هو بلا شك،تفكك ونهاية المعارضة التقليدية، والتي أصبحتمجرد خيال، مما فتح الطريق أمامالخطاب الشعبوي. لقد قام النظام منذ البداية باحتواء المعارضة التيكانت منهكة، مع أنه يحاول الآن إضفاء نوع منالشرعية عليها، عنطريق تقديمها كشريك فيالعملية السياسية، لأنه يعلم أنها لا تمثل أي تهديدله. - ألا يترك استقطاب وفراغ المشهد السياسيمساحة لظهور تيارات بديلة، بحكم أن الطبيعةتمقت الفراغ ؟
– بالفعل، انقسام المشهد السياسي، أمر يتركمساحة كبيرة لظهور خيارات أخرى، وهذه فرصة قدلا تتكرر، إذا لم يتم استغلالها في الوقتالمناسب. هــــذا ما فهمته العديد من التيارات، وخاصةالشبابية منها، التي تحاول تنظيم نفسها وفقا لهذهالمعطيات. ولكن اغتنام هذهالفرصة وتقديم بديلسياسي موثوق يتطلب وجود مجموعة منالمصلحين تتبنى مشروعا تنمويا وطنيا وتكونمستعدة للعمل على المدىالطويل، من أجل تحقيقالإصلاح المنشود. - لإعادة تشكيل معارضة جديدة للنظام الحالي؟
– ليس بالضرورة أن يكون هذا الخيار الجديد معارضاأو مواليا، ولكن يجب أن يتموقع وفق ما يعتبرهقادته المصلحة الوطنية. يـمكن أنيصبح نـواة لـتياريـتجاوز الانقسام بين الأغلبية والمعارضة، من أجلتوفير أفضل الحظوظ لتنفيذ الإصلاحات المطلوبة. - وهل أنتم على استعداد للانضمام للنظام الحاليإذا قدم لكم مقترحا ؟
– كما أخبرتكم للتو، نحن لسنا مع النظام أو ضدهمـن حيث المبدأ. نحن مع ما نعتبره مصلحة وطنية،بمعني تبني رؤية إصلاحية لتجنبالفوضى. وفيمايـتعلق بالنظام، إذا أبدى رغبة واضحة في إجراءإصلاحات جوهرية، فـلماذا لا ندعم هذا التوجه؟ أماإذا كانت هــذه الإرادةغير موجودة أو ضعيفة، كماهو الحال اليوم، فإن المعارضة الحازمة والمسؤولةهي الخيار المناسب. هدفنا هو أن نكون قادرين علىفرضعملية الإصلاح من الأعلى، من خلال توحيدالإرادات الصادقة، وتعزيز ديناميكية التغيير وتحييدالمفسدين. - يبدو أنكم حسمتم هذا الخيار ؟
– أولا، أنا لست وحدي في هذا التوجه. يؤمن الكثيرمنا، هنا وفي الخارج، بأن هناك فرصة قد لا تتكرر. ثانيا، نحن لسنا عدميين ولاشعوبيين. ومع ذلك،فإننا لسنا راضين عن الوضع الحالي للبلاد، إذنستغرب عدم جدية الحكومات المتتالية في تبنيسياسات تنمويةإصلاحية، الشيء الذي ترك انطباعالدى المواطنين أنها فقط حكومات تصريف أعمال. نحن ندفع إلى خلق ديناميكية للإصلاح، وحدهاالتيبمقدورها إخراج البلد من الأزمة التي يعيشها. - كيف تخططون للمضي قدما ؟
– فقط تكاتف الجهود والعمل الجماعي على الأرضهما ما سيساعدان على إعادة تعبئة الأغلبية الصامتةالمحبطة والتي عزفت عن المشاركةالسياسية. هذهالاستراتيجية تشمل تحسيس الرأي العام، وإحياءالأمل لدى المواطنين، خاصة الشباب، وتوحيد جميعالذين يسعونللإصلاح، على أمل أن تخلق إضافتهمقفزة نوعية كافية لتعزيز ديناميكية التغيير. أعـتقدأن النخب لديها اليوم مسؤولية تاريخية منأجلالانخراط في مشروع وطني يهدف إلى إنقاذالبلاد، خاصة أن التوقيت مفصلي، في ظل اخفاقاتالحكومات المتعاقبة في تنفيذ سياساتتنمويةناجعة وفي ظل الإحباط السائد لدى المواطنين. فيالحقيقة، لم يعد من الممكن ترك هـذا البلد فـيأيدي الطبقات الحاكمة الحالية،التي أظهرت حدودهاوعدم قدرتها على مواجهة التحديات. الحل الآن هوأن يجد كل أولئك الذين يدّعون دعم فكرة إصلاحالبلاد أنفسهم فيتيار جديد ستكون لديه فرص أكبرللتاثير على اللعبة السياسية، يتمثل في قطبتترأسه شخصيات جديدة، ويحمل خطابا أكثرشمولاوحيوية. - وما الذي سيميزكم عن الأحزاب والحركاتالسياسية الأخرى ؟
– أولويتنا هي توحيد تطلعات الفئات المقصيةوالمهمشة، من أجل خلق توازن كاف لفرض التغيير. نحن ندعوا إلى تبني خطاب شامل يأخذفي الاعتبارطموحات الجميع، وخاصة أولئك الذين تم تركهمعلى قارعة الطريق وهم الاغلبية الساحقة منالشعب. وتحقيقا لهذه الغاية، يجبأن نتجاوز منطقالهويات والشرائحية ونؤسس لبديل وطني يوحدتطلعات وآمال الشعب. هذه هي المعادلة التي لميستطع المعارضونالحاليون حلها. الظروف مواتيةبشكل خاص، وهناك حاجة إلى نهج جماعي لتحقيقذلك. وإلا ستضيع أصواتنا وتذهب مجهوداتنا مرةأخرسدىً. - لكن ما تسميه منطق الهوية يبدو أنه يشهدعودة قوية ؟
– لطالما كان خطاب الهوية موجودا، لكنه كان دائماهامشيا في البلاد مع قدرته على الغوغائية، لأن كلالأنظمة كانت تتسامح معه، فهويخدم مصلحتها،لكونه يشكل عقبة في وجه توحيد تطلعات القوىالمطالبة بالتغيير. فالأنظمة تخشى النهج الذي يوحدجميع الفئاتالاجتماعية أكثر من خوفها من الخطابالفئوي الراديكالي الذي سيبقى دائما أقلية. الحقيقةأن الموريتانيين يتطلعون اليوم أكثر من أيوقتمضى إلى مشروع سياسي يوحدهم ولايقسمهم. مشروع يتيح للمواطن استعادة كرامته،ويعيده إلى قلب السياسات العامة، وليسمشروعايجعل الانتماء العرقي أو الاجتماعي برنامجاسياسيا. - هل تنوون تقديم أو دعم مرشحين في الانتخاباتالقادمة ؟
– بالنسبة للانتخابات المقبلة، يبدو أن اللعبة قدحسمت بالفعل. منطق التمثيل القبلي والجهويوالخطاب الـشعبوي والترشيحات الغريبة، كلهذهالعوامل تلقي بثقلها على العملية الانتخابية،وتُجهض أي أمل في التغيير. حزب الإنصاف يمتلكأسبقية، نظرا لثقافة التصويت للمخزن،ودور الوجهاءوالأعيان، واستخدام موارد الدولة، في ظل ضعفالمعارضة. علاوة على ذلك، فــإن العديد مــنالناخبين الذين لا يصوتون فيالمدن الكبرى لصالحالنظام، سيفعلون ذلك في الداخل، على أساساعتبارات محلية وقبلية وأسري. إنها مفارقة حقيقية: حزب مرفوض منطرف المواطنين، يمثل حكومة لاتمتع بشعبية نظرا لضعف الانجازات، ومع ذاك هوفي وضع جيد للفوز بالأغلبية في الانتخابات. لأنالأغلبيةالصامتة، التي تريد قطيعة مع ممارساتالماضي ومع رموز الفساد، تخاطر بعدم التصويتمرة أخرى، لأنها مقتنعة جدا بأن شيئا لن يتغير. هذاهو التحدي الحقيقي أمام إمكانية التغيير. - هل ستقدمون مرشحا للرئاسيات؟
لا يمكن حصر العمل السياسي في الانتخاباتالرئاسية، على الرغم من أنها حدث مهم في الحياةالديمقراطية. والمعارضة دائـــما تنتظر كل5 سنواتلتقديم مرشح أو أكثر، متجاهلة في هذه الفترةضرورة التعبئة والتحسيس والتوعية. الترشحللرئاسة يجب أن يكون تتويجا لعملميداني طويلالأمد، لا أن يحل محله. لا يمكننا أن نبني على الفراغ،ونحاول أن نحصد ما لم نزرعه أو نستفيد مما لمننفذه في الميدان. كمالا يمكننا التفكير في الفوزبدون الاستثمار في بناء علاقة ثقة مع المواطنينبشكل مستمر. فالفوز بالانتخابات يتم من خلالحملاتتحسيسية واسـتثمار لـعدة سنوات على أرضالميدان، خاصة عن طريق حملات “باب باب” ينفذهاجيش من النشطاء الميدانيين. - يبدو إذن أنكم فكرتم في مرشح رئاسي، أو علىالأقل في الرجل المناسب للمرحلة؟
– أعتقد أننا يجب أن ننسى فكرة الرجل الخارق للعادةالذي سيغير البلاد بين عشية وضحاها. يجب أننعتمد على الرجال والنساء المدركينلخطورةوحساسية الوضع، الذين يحملون فكرا إصلاحيا،بشجاعة وطموح، الذين يمكنهم حمل الأملبمستقبل أفضل لشعبنا، رجال ونساءقادرين علىإعادة البلاد إلى مسارها الصحيح وتنفيذ الإصلاحاتالمطلوبة، لإحداث تأثير ملموس على الظروفالمعيشية للمواطنين. رجالونساء سيكونون قادرينعلى حماية التماسك الاجتماعي والوحدة الوطنية،من خلال معالجة التمييز والغبن والتهميشوالإقصاء وخطابالكراهية، من أجل تعزيز المواطنةعلى أساس المساواة. قادة يفهمون خيبة أملالشعب، قادرون على الاستجابة لتطلعات السكانالمحرومينومنع اندلاع الثورات، من خلال اتخاذالقرارات اللازمة قبل فوات الأوان. - هل تعتقدون أنه بإمكانكم الفوز بالانتخابات فييوم ما؟
– نحن واقعيون بما يكفي لوضع أهداف قابلةللتحقيق. لا نعتقد أنه يمكننا الفوز بمعجزة، دونوضع استراتيجية ومنهجية للوصول إلىالسلطة عنطريق العمل الميداني. - ما تدافعون عنه هو في الواقع إعادة صياغة للعقدالاجتماعي؟
صحيح يجب أن نستعيد أسس العقد الاجتماعي،ونعيد بناء الدولة على أسس جديدة، من أجل حاضرأفضل لموريتانيا اليوم والغد، وفقالقيم التي جعلتمجتمعنا عظيما. يجب أن يقوم هذا العقد الاجتماعيعلى مشاركة جميع الفئات وعلى توزيع أكثر إنصافاللثروة علىأساس مبادئ المسؤولية والمساءلة. - هل ستشمل عملية إعادة التأسيس مراجعة نمطالحكم؟
– بالطبع، يفترض أن يقترح تعديل في نمط الحكم،مع نهج جديد لإدارة الشؤون العامة، قائم علىالحوكمة المثالية، والاعتماد على جيل جديدمنالرجال والنساء مشهود بقدراتهم، ونزاهتهموشغفهم بالشأن العام، وعليهم أن يلتزموا بخدمةالمواطنين، وأن يـخضعوا للمساءلة أمامهممـن خلالالمساطر المتبعة. يجب أن يكونوا، بسلوكهموأفعالهم، نموذجا للآخرين، للقضاء على صورةالموظف المتغطرس والمزدري، الذي قوضلفترةطويلة علاقة الإدارة بالمواطن. - أين تقع المؤسسة العسكرية في تحليلكم لحالةالبلاد ؟
– الجيش هو أحد أبعاد المشكلة، لا سيما في مجالالحكم، ولكنه أيضا جزء من الحل، على الأقل إذا كانيركز على مهامه الأساسية. لا بدمن إضفاء الطابعالمهني على جيشنا لجعله جيشا جمهوريا تابعاللسلطة المدنية، يحمي البلاد ويدافع عن وحدةأراضيها دون التدخل فيالشؤون السياسيةوالاقتصادية، هذا هو التحدي الذي نواجهه. - ألا تعتقد، كما يزعم بعض المعارضين، أن البلاد لنتستطيع الاقلاع والازدهار ما دام العسكر يتدخلونفي تسيير الشأن العام ؟
– نحن لا نميز بين المدنيين والعسكريين. إذ لا يوجدأحد جيد أو سيئ بطبيعته. علاوة على ذلك، فإن الحدالفاصل بين الإثنين ليس محكما. هناك الايجابيوالسلبي في كلا الجانبين. فالاعتقاد بأن العسكري،من حيث المبدأ، شخص سيء أو فاسد هو كلام لايستند إلى شيء. هناك العديد من العسكريين الذينيؤدون عملهم بشكل مهني، ومعترف لهم بالنزاهة،وبالمقابل يمكن أن نجد مدنيا ايضا أسوأ منكلالجنود، سواء من حيث الاستبداد والفساد أو منحيث انعدام الكفاءة. بالنسبة لنا، العسكريون همموظفون ينتمون إلى فئة خاصة، طالماأنهميخدمون في الجيش. نحن لسنا من الذين يعتقدونأن العسكريين السابقين لا يمكنهم دخول الحياةالسياسية. لديهم الحق فيالانخراط في الحياةالعامة ولديهم دور يلعبونه كمواطنين. ومع ذلك،فــإن الجيش كمؤسسة ملزم بقدر معين من الحيادوالتحفظ، لمنعه منالتورط في الخلافات الحزبية. ولاء هذه المؤسسة يجب أن يكون للأمة وليسلرئيس الدولة، حتى لو كان من بين صفوفها. بالإضافة إلى ذلك،يجب على كل جندي طالما كانفي الخدمة الفعلية أن يتجنب الانخراط في السياسة. سيكون الأمر من المثالي بالنسبة لنا وللجيش أنيبتعدعن السياسة ليكرس نفسه بشكل أفضللمهمته الأصلية. - ما هي برأيكم المشكلة الاقتصادية الرئيسيةللبلاد؟
– مشكلتنا الاقتصادية الرئيسية هي أننا لا نخلققيمة مضافة كافية. نحن نصدر ثروتنا الطبيعية فيحالتها الخام، دون أي معالجة محلية،مما قد يزيد منقيمتها. عـلاوة على ذلك، يعتمد اقتصادنا بشكلأساسي على قطاعين أو ثلاثة ونحن غير قادرين علىتنويعها. - وماذا تقترحون لحل مشكلة البطالة التي تؤثربشكل متزايد على المواطنين؟
– فـي الحقيقة البطالة أصبحت مشكلة بنيوية، تجبمعالجتها كأولوية قصوى، من خلال وضع استراتيجيةتوظيف وطنية، بالشراكة معالقطاع الخاص،وبتشجيع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم،عن طريق خفض الضرائب وغيرها من التحفيزاتالاستثمارية. ويجب أنتركز هذه الاستراتيجية علىقطاعات النمو المحتمل، ولا سيما الطاقةوالتعدين، والأشغال العامة، والتنمية الحيوانية،والزراعة، وصيدالأسماك، وربما السياحة، والإعتمادأيضا على التقنيات الجديدة المحتملة لتطويرالحوكمة الإلكترونية. باختصار، ينبغي الشروعفيسياسة استباقية لخلق فرص العمل، بما فيذلك إطـلاق برنامج أعمال مكثف من أجل توفيرفرص عمل لأصحاب المؤهلات الضعيفة، معتحسينالبنية التحتية. - لقد ذكرتم القطاع الخاص، ما هو الدور الذي يمكنأن يلعبه في برنامج خلق فرص العمل؟
– تتمثل استراتيجيتنا في استغلال مجالات النمووالاستفادة من الفرص الاقتصادية لخلق فرص عملفي القطاعات الواعدة. لتحقيق ذلك،يجب عـليناتـشجيع الاسـتثمار وتعزيز القطاع الخاص، مع تحسينمناخ الأعمال بشكل كبير. ولكن لتحقيق ذلك، نحتاجإلى أرباب عملعصريين، لديهم أفكار حديثة مبتكرةوليس أولئك الذين، على النمط القديم، يعتبرون أنالأعمال هي فقط عبارة عن بيع وشراءوصفقاتعمومية، دون أية قيمة مضافة. وكذلكهذا يؤكد ضرورة محاربة الفساد، الذي يحد من قدرةالبلاد على الاستفادة من الفرص المتاحة. - هل بإمكان جالياتنا في الخارج أن تساهم فيالمشروع التنموي الذي تسعون من خلاله إلى دفععجلة الإصلاح ؟
– نجح العديد مـن الموريتانيين في بلدان أخرى، حيثمستوى المعايير مرتفع للغاية. فنجدهم فيالمنظمات الدولية، في القطاع الخاص فياوروبا،وفي امريكا الشمالية، وفي دول الخـليج، وفيافريقيا، فهم مهتمون جدا ببلدهم ومستعدونللعودة إليه، حتى لو كان المردود الماديأدنى،بشرط أن يتم منحهم الفرصة لوضع معرفتهموخبراتهم في خدمة البلد. هناك موريتانيون آخرونداخل البلاد لديهم قصص نجاحملهمة، ومساهمتهمفي الإصلاحات لا تقل أهمية. فـي ظـل هـذهالـظروف، يـجب عـلينا خـلق فـرص لـهؤلاء الـخبرات ،للاستفادة مـنأفـكارهـم، التي ستعطي قيمةمضافة حقيقية. - في مجتمع يمثل الشباب فيه نسبة 65٪، كيفيتم التعامل مع هذه الفئة من أجل إشراكها فيالمسار التنموي ؟
– يجب أن يبدأ أي إصلاح بإعطاء الأولوية للشباب،من خلال تطوير وتنفيذ سياسة وطنية طموحة،تتمحور حول خلق فرص العمل وتعزيزالمواهب،بهــدف إشراكهم في عملية التنمية. الفكرة هيمواجهة تحدي البطالة الجماعية التي تضرب الشبابوتشكل تهديدا للتماسكالاجتماعي. كما يجب فتحالمجال أمام مواهب وطاقات الشباب مــن خلالسياسات محددة تجعل من الممكن اشراكهم فيصنع القراروتعزيز مواهبهم، من أجل الاستفادة منحيويتهم وقدرتهم على الابتكار والإبداع. - السؤال الأخير: هناك كلمة ترددت كثيرا فيحديثكم، وهي كلمة “قطيعة“، لماذا ؟
نحن في لحظة حاسمة تتطلب سياسات أكثر طموحاوقرارات قوية، لنزع فتيل تراكم الإحباطات. يتطلبهذا الأمر قطيعة مع ممارساتالأنظمة الماضية،والتي لا يختلف اثنان في عدم جدوائيتها ونتائجهاالسلبية. وهذا ضروري جدا، لأن العقد الاجتماعيالموروث منالاستقلال يمر بتغيرات عميقة، بسببالتطور السريع لهذا المجتمع التقليدي، حيث تمالانتقال من مجتمع الأعيان والوجهاء إلى مجتمعأكثرانفتاحا، يتميز بسقف مرتفع من المطالب لدىالمواطنين، الذين أصبحت لديهم انتظاراتوطموحات كبيرة ويطالبون بتعاطي الدولة معها. كماأننا في مرحلة قطيعة مع الماضي، وهذا الأمرينطبق على السلطة والمعارضة أيضا. فلا يمكنناالاستمرار في استخدام نفس الأسـالـيب. يجب أننعمل على استثمار المزيد من الموارد لتلبيةتطلعات الفئات الأكثر هشاشة وحرمانا، من خلالتدابير ملموسة وبرامج مهمة،ومخصصات كافية. وكل هذا يتطلب أيضا القطيعة مع النخب الفاسدةالتي لا يمكن التفاهم معها بأي طريقة.